فرات العموش
عرّفت اليونسكو التعليم الدامج بأنه تأمين وضمان حق جميع الأطفال ذوي الإعاقة في الوصول والحضور والمشاركة والنجاح في مدرستهم النظامية المحلية، ويتطلب التعليم الدامج بناء قدرات العاملين في مدارس الحي والعمل على إزالة الحواجز والعوائق المادية التي قد تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وحضورهم ومشاركتهم من أجل تقديم تعليم نوعي لكافة الطلبة وتحقيق إنجازات تعليمية في هذا المجال.
وعليه أكّدت استراتيجية التعليم الدامج استناداً للمادة (18/هـ) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 20 لسنة 2017 على الحاجة إلى تأسيس ثقافة والتزام بتعليم كافة الطلبة بمن فيهم الطلبة ذوو الإعاقة في المدارس النظامية، بوصف ذلك سياسة وممارسة ومسؤولية من قبل وزارة التربية والتعليم.
الاستراتيجية التي استندت إلى مجموعة من القيم والمبادئ والتشريعات والأسس التي تؤكد ضمان تمتع الطلبة ذوي الإعاقة بالمواطنة الكاملة والحقوق غير المنقوصة في مجال التعليم والوصول بهم إلى أقصى الإمكانيات والقدرات الأكاديمية وتقديم الخدمات لهم على أساس تكافؤ الفرص وعدم التمييز. كما تتبنّى الاستراتيجية قيم العدالة والمساواة وتقبُّل التنوّع، وتنظر إلى الطلبة ذوي الإعاقة على أساس أنهم جزء من المجتمع الطلابي ومحور العملية التعليمية، وتعزز حقهم في الحصول على تعليم نوعي أسوة بنظرائهم من غير ذوي الإعاقة ضمن بيئة تعليمية دامجة.
وهناك أخطاء شائعة حول التعليم الدامج تتنوّع ما بين اجتماعية واقتصادية وتربوية وعملية، ومن أبرزها: «أن التعليم الدامج له تأثير سلبي في الأطفال من غير ذوي الإعاقة»، وهو ما تدحضه الدراسات المتخصصة والتجارب العمليّة في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، حيث ثبت أن تعليم الأطفال من غير ذوي الإعاقة مع زملائهم من ذوي الإعاقة يساهم في خلق بيئة إيجابية ترسّخ قيم التنوّع وقبول الآخر واحترام وتقبل الاختلاف، بالإضافة إلى أن التعليم الدامج يعود بالفائدة على الجميع بحيث يستفيد الطلبة من غير ذوي الإعاقة ويصبحون أكثر مهارة في العديد من المباحث، وخصوصاً مبحثي الرياضيات والقراءة.
- ومن الأخطاء الشائعة حول التعليم الدامج أيضاً «أنه أكثر تكلفة من التعليم الخاص»، حيث بيّنت العديد من الدراسات أن التعليم الخاص يعد أكثر تكلفة بتسعة أضعاف على الأقل من التعليم الدامج؛ وذلك نظراً لكون التعليم في بيئات خاصة ومقيّدة يتطلب بنى تحتية ووسائط نقل وتجهيزات وكلفا إضافية للفئة التي يتم استهدافها بهذا النوع من التعليم، كما أن الإقصاء والعزل بما له من تبعات سلبية تتمثل في زيادة احتمالات البطالة وارتفاع معدلات الجريمة وغيرها من التبعات السلبية يجعل التعليم الدامج أكثر فاعلية من الناحية الاجتماعية وأكبر فائدة من الناحية الاقتصادية وأقل تكلفة على خزينة الدولة على المدى المتوسط والطويل.
- وهناك خطأ شائع ثالث ينص على أن «التعليم في مدارس وصفوف منفصلة وعازلة يعد أكثر فاعلية وتأثيراً للأشخاص ذوي الإعاقة»، إلا أنه وفي الواقع، أثبتت دراسات منذ عقد السبعينيات بعدم صحة هذا الاعتقاد، بل تبرهن على أن التعليم الدامج يساهم بشكل فعّال وسريع في رفع كفاءة الطلبة ذوي الإعاقة ومهارتهم ويساعدهم على التحصيل الأكاديمي على نحو فعّال، بالإضافة إلى ذلك، يساهم التعليم الدامج في رفع الوعي المجتمعي وتعزيز الاتجاهات الإيجابية لدى الطلبة والمعلمين فيما يتعلق بقبول الأشخاص ذوي الإعاقة.
- والخطأ الشائع الرابع ينصّ على أن «التعليم الدامج لا ينبغي تطبيقه أو حتى ذكره إلا بعد أن يتم إنجاز وتحقيق التعليم العام للطلبة من غير ذوي الإعاقة»، وهنا لا بد من التأكيد على أن الحق في التعليم هو حق دستوري مكفول للكافة، ولا يمكن القبول بأن يتم ترتيب أولويات التمتع بهذا الحق وممارسته بناءً على وجود الإعاقة أو عدم وجودها، بحيث يتم إرجاء تعليم الأشخاص ذوي الإعاقة لحين إنجاز تعليم الآخرين، وهذا المسلك تمييزي ويتناقض مع المبادئ الأخلاقية ومضامين الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وسائر المواثيق الدولية ذات الصلة.
- والخطأ الشائع الخامس والأخير ينصّ على أن «التعليم الدامج هو نوع من الرفاهية الخاصة بالدول المتقدمة ذات الموارد الوفيرة»، وهو الاعتقاد الذي لا يتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها معظم دول العالم بما فيها الدول محدودة ومتوسطة الموارد فحسب، بل يتناقض مع المبادئ الدستورية لتلك الدول التي تسلم بأن الحق في التعليم مكفول للكافة، بالإضافة إلى أن أهداف التنمية المستدامة -تحديداً الهدف الرابع- توجّب على دول العالم قاطبة توفير التعليم الدامج للطلبة ذوي الإعاقة أسوة بزملائهم من غير ذوي الإعاقة، ولا يمكن بأي حال مقارنة التكاليف المالية التي يتطلبها تطبيق التعليم الدامج بالتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السلبية الكبيرة الناتجة عن استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من التعليم على المجتمع والاقتصاد الأردني.
الهدف من تطبيق التعليم الدامج في الأردن
التعليم الدامج يهدف مع حلول سنة 2031 إلى توفير جميع متطلبات التعليم الدامج للطلبة ذوي الإعاقة، بما يحقق تمتعهم الكامل في التعليم والوصول لجميع البرامج والخدمات والمرافق في المؤسسات التعليمية، وحصولهم على تعليم نوعي في بيئة تعليمية تتقبل الاختلاف والتنوع وتوفر بيئة تعليمية وتدريسية داعمة لجميع الطلبة.