في إحدى المخيمات والمدارس التي قضيت وقتًا فيها وعملت بها، واجهت تحديًا كبيرًا حيث قضيت ليالٍ طويلة في الاستعداد لكتابة أول مقالة تستعرض تجربتي. اتبعت خطوات البحث الإجرائي لفهم الوضع والمشاكل المحيطة به. تحدثت مع زملائي العاملين في المخيم والخبراء الاجتماعيين وأخذت ملاحظات في المدرسة.

تتناول مقالتي سبب عدم انضمام المتعلمين للمدارس في المخيمات وتبحث عن أفضل الطرق لتحسين الحالة التعليمية. نجحت بعض المدارس في المخيمات في دمج عدد كبير من الأطفال وتوفير المساعدات الضرورية التي تساعدهم في التحصيل الدراسي بالرغم من المشاكل الكبيرة التي يواجهونها في المدرسة نتيجة للظروف الصعبة في سوريا، يتحملون تحملاً كبيراً لتطوير التعليم في شمال شرق سوريا.

تجربتي كمعلم تغيرت بفضل الخبرة واكتساب المعرفة في مفهوم البحث الاجرائي، حيث قمت بتنفيذ خطوات البحث الاجرائي لحل بعض المشكلات التي واجهتهم في المدرسة. على سبيل المثال، عمل على حل مشكلة تسرب المتعلمين من المدرسة عن طريق تعديل مواعيد الدوام والتواصل مع أولياء الأمور لمعرفة الأسباب وايجاد الحلول.

 صورة توضح الطفل اثناء ذهابه للمدرسة وفي الخلفية بعض الخيام باللون الابيض
عمر وهو في طريقه إلى المدرسة ليبدأ يومه التعليمي المليء بالمغامرات والمعرفة, جهاد أحمد المحمود

توفير بيئة دامجة مسؤولية من؟
التوافق هو واجب يتحمله جميع الأشخاص المشاركين في عملية التعليم بدءًا من الأسرة وصولاً إلى قادة المدارس والمعلمين وجهات النفوذ في قطاع التعليم.

  • فمن المسؤول عن تعزيز العلاقة القوية بين البيئتين التعليمية ‹الأسرة والمدرسة›؟ وما تأثير تعاون أولياء الأمور مع المعلمين في توفير تعليم آمن للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة في مدرسة الأمل في سوريا، مثل الطالب عمر؟
  • هل المحيط التعليمي الذي يعيش فيه الطفل مناسب له، أي هل يفتقد لظواهر العنف والتنمر؟
  • هل يشعر الأطفال أثناء تجمعهم في ساحة المدرسة بالسرور والسعادة؟
  • هل يوجد أي شيء يمكن القيام به لتحسين طرق التدريس وجعلها أكثر مناسبة؟

للإجابة عن هذه التساؤلات:
في البداية، يجب علينا أن ندرك أن البيئة التعليمية ليست دائما المدرسة، هناك بيئتان وليست بيئة واحدة تعملان لنفس الهدف. الأسرة هي البيئة الأولى للطفل وتعتبر الحاضنة الأساسية لمشاعره. ومن خلالها يكتسب الطفل نظرته الأولى نحو الأشياء والعالم المحيط به. والمدرسة هنا تلعب دورًا أساسيًا في تعزيز تلك القيم الإيجابية وتصحيح القيم السلبية المتأتية من بعض الأسر وعقليتها.

لا بد من جهود مشتركة بين البيئتين التعليميتين (الأسرة والمدرسة) من أجل نشر ثقافة قبول الاختلاف والتنوع. ومن أجل تعزيز شخصية الطفل في قبول الاختلافات والاستمتاع بالتنوع بغض النظر عن طبيعته،

أولاً – دور الأسرة:
وحقيقة لا بد من التمييز بين البيئتين في المرحلة الأولى من تكوين وعي الطفل. فالبيئة الأسرية تلعب دورًا أكبر في هذه المرحلة، وخاصة الأمهات. حيث تقوم الأمهات بدور كبير ومحوري في تعزيز شخصية الطفل وتمكينه من مواجهة ظروف الحياة القاسية والعقبات التي يمكن أن يواجهها. على سبيل المثال، الطفل الذي يولد مع إعاقة لا يدرك هذا الأمر ولا يشعر بأنه يفتقر إلى شيء بالمقارنة مع الآخرين. إذا قامت الأم بنفس الطريقة بزرع رغبة القبول لهذه الإعاقة داخل طفلها.

من خلال تجربتنا في شمال شرق سوريا، في محافظة الرقة، في مخيم المحمودلي، نعمل في مدرسة الأمل. هذه المدرسة المبتدئة حيث يعمل المدرسون والمدربات بجهود مشتركة من أجل تعزيز التعليم وتقديم الدعم للأطفال النازحين من مختلف مناطق سوريا وتأهيلهم لاجتياز امتحانات الشهادة الإعدادية. تضم المدرسة 13 فصلا دراسيا ضمن نظامي فوج صباحي وفوج مسائي، حيث يتلقى حوالي 806 طالب وطالبة التعليم من 400 طالب في كل فوج. يتجاوز نسبة الإناث 70 في المئة، وبالإضافة إلى ذلك، نقدم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والرعاية الصحية، ونوفر وجبات غذائية عالية الجودة.

تبحث بعض الأمهات عن وسائل لمساعدة أطفالهن في التغلب على ذ والانتقال للذهاب إلى المدرسة ومواجهة المجتمع والأقران. يقمن بذلك من خلال تقديم الدعم النفسي والعاطفي لأبنائهن، والتواصل مع المنظمات المحلية من أجل تقديم الدعم والانخراط في البرامج التأهيلية. وقد يترافق ذلك بمرافقة الأطفال إلى المدرسة والانتظار أمامها حتى نهاية اليوم الدراسي. ومن أمثلة ذلك، والدة الطفل عمر الذي يبلغ من العمر عشر سنوات وهو نازح من مدينة تدمر السورية ويعيش بدون والده تحت رعاية والدته. ويعاني عمر من ضعف في البصر في إحدى عينيه، ما يستدعي عليه ارتداء نظارة رقعة عين.

ام عمر تقول ان النظارة الطبية تتسبب في احراج عمر امام زملائه لذلك ام لم تتركه وكانت ترافقه الى المدرسة يوميًا ولم ترحل حتى يستقر عمر في الصف. لولا تشجيع ام عمر، ربما لم يكمل عمر تعليمه.

ثانياً- دور المدرسة:
وفي سياق آخر، تلعب البيئة المدرسية دوراً هاماً في مساعدة الأم في تطوير شخصية متوازنة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الذين يعانون من أي نوع من التنوع سواء كان جسدياً أو عقلياً.

يعتمد هذا الدور بشكل كبير على ثقافة المعلم والملاحظات التي يقوم بها ومشاهداته واستخدامها لدمج الطفل بين أقرانه ومعالجة مخاوفه. بنقل تجربته ومعرفته الى الأطفال في المدينة وتعزيز الوعي لديهم بأهمية احترام وقبول الاختلافات الثقافية بينهم وبين أطفال الريف. بعض

الإجراءات العملية التي نقوم بها في المدرسة:

  • يقوم مدرسو مدرسة الأمل بتوعية الأطفال حول مخاطر التنمر وتعريفهم بأنواعه اللفظية والاجتماعية والجسدية، وكذلك كيفية التصدي للتنمر وكيفية التعامل مع الشخص الذي يصدر سلوك التنمر، بالإضافة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لهم لمواجهة هذه الظاهرة.
  • تتمثل أهمية موائمة طرائق التدريس في تجاوز التحديات التي قد يواجهها المتعلمين وتلبية احتياجاتهم الفردية.
  • نعمل على تعزيز ثقتهم بأنفسهم من خلال إشراكهم في وضع القوانين الصفية واختيار الأسلوب الذي يفضلون تعلمه به. كما يتم استخدام الثناء والتشجيع للمتعلمين.
  • نجتمع بشكل منتظم مع أولياء الأمور وإبلاغهم بتقدم أبنائهم وزيارتهم في أماكن اقامتهم ومتابعة تقدمهم
  • استخدام القيم الإيجابية التي يتبناها المجتمع لعلاج السلوك السلبي.

خاتمة:
لا يُطلَب من كل بيئة تعليمية، سواء كانت عائلية أو مدرسية، أن تقوم بواجبها حصرًا تجاه أطفالها. بل يجب تعزيز إطار الاتصال بينهما، وقد يؤدي ذلك التقارب إلى إنشاء آلية جديدة، مثل مشاركة أولياء الأمور لأطفال ذوي الإعاقة في حملات توعية تُنظَّمها وتُشرَف عليها المدرسة، وذلك لزيارة أولياء أمور الأطفال الذين لم يُدفَعوا أبناءهم إلى التعليم. ومن الأمثلة على ذلك، مشاركة أمهات الأطفال ذوي الإعاقة في مدرسة الأمل المذكورة سابقًا، لتشجيع الأمهات اللاتي يعانين من نفس الحالة على إرسال أبنائهن للتعليم. ويجب ألا يكون هذا التواصل بين البيئتين حدثا عابرا، بل يجب أن يتم بشكل منتظم ومنظم. وكلما تكرر هذا اللقاء، تحقق نجاح مشروع الدمج.

جهاد أحمد المحمود – مدير مدرسة – شمال شرق سوريا في مدينة الرقة.