خلفية عن السياق:
يواجه العديد من الأطفال في مصر في مرحلة ما قبل المدرسة (الروضة) من بعض المشكلات الخاصة بصعوبات التعلم، والتي تظهر بوضوح عند انضمام الأطفال إلى الروضة. فقد يجد المعلم/ة بعض السلوكيات من بعض الأطفال التي تُعتبر مؤشرات لصعوبات التعلم، مثل صعوبات التخاطب والتلعثم في الكلام والنطق، أو فرض حركة أو الايكولاليا (ترديد الكلام) وتشدد الانتباه، وغيرها.
تؤثر هذه الصعوبات بصورة مباشرة على إدماج الأطفال في التعليم في مرحلة التعليم الأساسي والتي تستمر معه حتى التخرج من الدراسة. قد يتعرض بعضهم للتنمر في الصف الدراسي من بعض زملائه في المدرسة، وقد يواجهون هجومًا وتنافرًا داخل أسرهم، مما يؤثر سلبًا على الأطفال وعلى إدماجهم في التعليم. قد يصبح بعضهم منقطعين عن التعليم، وآخرون قد لا يستطيعون التواصل مع المعلمين خلال اليوم الدراسي، ويمكن أن لا يحصلوا على تقديرات جيدة. يلجأ بعض الأباء والأمهات إلى عزل أبنائهم عن المجتمع بسبب استحائهم منهم أو من قيامهم ببعض السلوكيات التي قد لا يجدها من حولهم مناسبة. ولذلك كان التفكير في إنشاء برامج للتدخل المبكر مع الأطفال، حيث أفادت العديد من الدراسات والأبحاث أن الطفل يكون أكثر قابلية للتغيير والتكيف النفسي والبيئي في مرحلة الطفولة المبكرة ولهذا تسمى هذه المرحلة بالمرحلة الحرجة، وذلك لتأثيرها بشكل مباشر في تكوين وتشكيل شخصية الطفل وتنمية قدراته واستعداداته للتعليم وإدماجه داخل الصف الدراسي.
جهود لتأهيل المعلمين في مصر:
ونظرًا لانتشار المشكلة بشكل واضح بين الأطفال والنسبة التي ليست بقليلة، فقد جعلت كليات التربية تخصص قسم تربية رياض الأطفال. قامت كلية التربية بجامعة القاهرة عام 1988 بإنشاء أول قسم لكلية التربية رياض الأطفال، والذي يهدف إلى تأهيل خريجي المدارس الثانوية لمهنة التعليم لأطفال الروضة؛ والذي بدوره سيساهم أيضًا في إنتاج الأبحاث العلمية لنشر الاتجاهات العلمية الحديثة في هذا التخصص. كما قامت جميع كليات التربية في جمهورية مصر العربية بإنشاء قسم خاص تحت مسمى «كلية التربية للطفولة المبكرة». ستهدف هذه الأقسام التدخل المبكر لمعالجة المشكلات التي تواجه أطفال ما قبل المدرسة وهم في عمر يوم حتى 4 سنوات، سواء كانت التحديات التي يواجهونها نفسية أو جسدية أو معرفية. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل قد بادر العديد من محاضري الجامعات وطلاب كليات التربية للطفولة المبكرة إلى تنمية مهاراتهم ومعارفهم في تخصص علاج صعوبات التعلم ومشاكل الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة من خلال انضمامهم إلى مراكز التدريب المتخصصة. لذلك يلجأ العديد من طلاب كلية التربية للطفولة المبكرة إلى الالتحاق بمراكز التدريب الخاصة ليكونوا مؤهلين أكثر للعمل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم لإعادة إدماجهم في التعليم. أصبحت مؤخرًا مراكز عديدة تستهدف معالجة صعوبة التعلم وإعادة الدمج على أيدي متخصصين يعملون في هذا المجال وتم تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع الأطفال. عندما يلتحق الأطفال بالروضة (الحضانة)، قد تظهر بعض المشكلات وهنا يقوم المعلمين/ات بتوجيه الآباء إلى تلك المشكلات ويتم التحاق الأطفال بمراكز التأهيل المتخصصة. المتخصص التربوي يقوم بعمل عدة قياسات واختبارات للأطفال مثل قياسات الذكاء والتوحد وفرط الحركة وتشتت الانتباه وغيرها. بناءً عليه يحدد البرنامج والمدة الزمنية التي يحتاجها كل طفل حسب حالته ومستواه. يقوم المختص بتنفيذ البرنامج مع عمل جلسات توعية للآباء والأمهات لمراعاة الطفل أثناء تواجده بالمنزل. تقدم تلك المراكز الإرشاد اللازم لأسر التي تحتاج إلى ذلك.
المعلم ليس طبيبًا لكن يساهم في التشخيص!
المعلم ليس طبيبًا، ولكنه يساهم في المساعدة في التشخيص! فمن خلال رصد عدد من الأطفال الذين قد يواجهون بعض المشاكل من فرط الحركة وتشتت الانتباه والتلعثم والاختلاط اللفظي، تم اكتشاف المشكلات عندما التحقوا بالحضانة (الروضة). قامت المعلمة بإبلاغ أولياء الأمور بذلك، وفي النتيجة قام أولياء الأمور بتحويل الأطفال إلى إحدى المراكز المتخصصة في هذا المجال. تم إجراء مقاييس لقياس الذكاء والتوحد وفرط الحركة وضعف التركيز للأطفال. قام المتخصص التربوي بوضع خطة تدخلات للأطفال عبارة عن جلسات تدريبية أسبوعية يقوم بها المتخصص، وكانت المدة المخطط لها لكل طفل هي ستة أشهر بمعدل جلستين أسبوعيًا. وقد أظهرت النتائج أن التدخل المبكر له دور فعال حيث استغرق حل المشكلة لكل طفل فقط أربعة أشهر، وكانت الاستجابة جيدة وبنسبة عالية، ما أكده أولياء أمور الأطفال. تغير سلوك الأطفال في المنزل وأصبحوا أكثر فاعلية ونشاطًا واستيعابا لما يحدث حولهم، وأصبحت استجابتهم أسرع للأحداث. وأفادت معلمات الروضة بأن الأطفال أصبحوا أكثر تفاعلًا واستجابة وتطورًا سريعًا في المهارات التعليمية. وبناءً على ذلك، سيتم التحاقهم بالمدرسة خلال هذا العام، وأصبحوا مؤهلين للانضمام إلى النظام التعليمي دون حدوث أي مشاكل لهم أو لأسرهم.
ونظرًا لنجاح العمل في هذا المجال، تأسست عدة مراكز في كل مدينة تعمل على علاج صعوبات التعلم للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. وتختلف تلك المراكز فيما بينها؛ حيث يخضع بعضها لوزارة التضامن الاجتماعي إذا كان المركز يتبع الجمعيات الأهلية أو مؤسسات المجتمع المدني، ويخضع البعض الآخر لوزارة التربية والتعليم أو وزارة التعليم العالي، والبعض الآخر يخضع لمراكز الأمومة والطفولة، ويوجد أيضاً من يخضع لنظام القطاع الخاص. وجميعهم يعملون من أجل هدف واحد وهو تأهيل الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة لدمجهم في النظام التعليمي وتحقيق هدف التعليم الشامل. فالتدخل المبكر للمعالجة من قبل المتخصصين التربويين يساعد بشكل سريع وفعال في علاج الأطفال ويعمل على دمجهم واستمرارهم في التعليم.
هناء فوزي سنائيل – مصر
باحثة وخبيرة تربوية، مدربة برامج محو أمية وتعليم الكبار